فتح الملفات الشائكة ودفع الثمن
حالة إرهاق شديدة لازمت نورالشريف طوال الفترة الماضية ومع ذلك كان مستمتعا بهذه الحالة. يحلم بأيام طويلة ينام فيها ويتخلص من العبء النفسي الذي تسبب فيه دور سعد الدالي.. لكنه لم يكد يلتقط أنفاسه من المسلسل حتي وجد نفسه يدخل عالم السينما الساحر الذي لا يمكن أن يقاوم ليبدأ تصوير دوره في فيلم ليلة البيبي دول.. وبين الدراما التليفزيونية والسينما والمسرح.. عشنا مع نورالشريف في حوار لم يخل كالعادة من حديث السياسة التي يراها نورالشريف هي والاقتصاد قاسما مشتركا في أي حديث يجمع اثنين في مصر أو في العالم.
يحكي نورالشريف ما حدث له مع الدالي وسر اعوجاج فمه.. وحالة تقمص شخصية المصاب بالشلل التي لازمته حتي بعد انتهاء التصوير..
في البداية سألته عن تسريحة شعره الجديدة والنظارة الطبية التي بدأ يظهر بها متخليا عن شكل الدالي فأجاب بسعادة شديدة: هذه أوامر الشخصية الجديدة التي العبها في فيلم ليلة البيبي دول.
أسبوع واحد تقريبا هو الفاصل بين إغلاقك ملف الدالي بما مثله من إرهاق ودورك الجديد في ليلة البيبي دول ألم يكن ممكنا أن تجد فرصة للراحة؟
للأسف حدث تأخير في انتهاء تصوير الدالي رغم أننا بدأنا تصويره مبكرا ولكن عقبات تسببت في توقف التصوير لمدة 33 يوما وكان هذا خارجا عن إرادتنا جميعا
بعد الجهد الكبير الذي بذلته في الدالي هل تحتاج لجهد مماثل لأداء دورك الجديد؟
دوري في الفيلم صعب أيضا فيه توتر عصبي كبير وللأسف لا يمكنني تأجيل مشاهدي فالديكورات جاهزة ولكن لحسن الحظ مشاهدي لن تكون مكثفة في الفترة الحالية وهل يمكن أن يعطيني فرصة لالتقاط أنفاسي.
يبدو أنك لن تستريح فالمفترض أن تقدم مسرحيتك اللجنة بحلول العيد؟
لا اتفقنا علي تأجيل الافتتاح لشهر ونصف أو شهرين حيث إنني مرتبط بالسفر لتصوير مشاهد للفيلم في أمريكا وتركيا والأردن.
ألا تري تشابها بين الدالي وفيلمك البحث عن سيد مرزوق؟
إطلاقا.. فيوسف في البحث عن سيد مرزوق كان ثوريا أخافه مخبر وجعله يلزم بيته طوال عشرين عاما حصرت حياته بين البيت والعمل إلي أن يخرج مرة ليولد من جديد ويجد مصر تغيرت تماما ويوسف كان يقدم إدانة للتيار الناصري واليساري الذي هرب وانسحب من المواجهة، وكان سلبيا أمام التغيرات التي حدثت في الواقع المصري فأصبح من المستحيل التغيير أو الإصلاح بعد عشرين عاما من السلبية
أنت تتحدث عنهم خرجوا في الشوارع عام 77 فما سمي بانتفاضة الحرامية؟
هؤلاء الناس العاديون أنا أتحدث عن المثقفين الذين انسحبوا دون مقاومة للتغيير الذي قام به الرئيس الراحل أنور السادات.
هل كنت تري أن إيقاع التغييرات كان يجب أن يكون أقل سرعة مما حدث؟
بلا شك وكان يحتاج دراسة وهذا ما اكتشفه الرئيس السادات نفسه بعد ذلك فالانفتاح الذي تم دون دراسة تسبب في كوارث اقتصادية واجتماعية لأنه كان بداية اختلال الطبقة الوسطي التي هي عقل أي مجتمع.. فما حدث كان كارثة في التكوين الطبقي للمجتمع أتاح للحرفيين ازدهارا اقتصاديا علي حساب الطبقة الوسطي ففرضوا أذواقهم علي كل شيء فلو كان مثقفونا بكل أطيافهم قد قاوموا لما حدثت هذه الكارثة التي مازلنا نعاني منها ولظل المجتمع متماسكا..
كيف يري نور الشريف سعد الدالي؟
الدالي نموذج لإرادة من فولاذ لصبي قرر أن ينجح ويتحدي كل الصعوبات يحمل كل تقاليد الصعيد.. شهم لكنه منافس شرس لأنه شخصية صلبة يواجه مؤامرات.. يحب البلد بصدق.. لدرجة أنه يطلب من عبدالناصر أن يظل يدير مجموعته بعد التأميم خوفا عليها من الانهيار رغم أنه لم يعد يملكها لكنها أصبحت ملكا للبلد.
ويقطع نورالشريف حديثه قائلا: لا تقل لي إنه بذلك هو شخصية عثمان أحمد عثمان لأن نفس الاستثناء حدث مع مختار إبراهيم وحسن علام.. وعندما يقال إنه كان يلقب بالمعلم وهو نفس لقب عثمان أقول إنه لقب نطلقه علي كل مقاول متميز حتي لاعبي الكرة كان صالح سليم وحسن شحاتة يلقبان بالمعلم.
عرفت أنك كنت متخوفا من المسلسل كيف كان ذلك؟
كنت متخوفا من الفلاش باك الكثير لأن جمهور التليفزيون لم يعتد عليه ويجد صعوبة أن يتحول من زمن إلي زمن في الحلقة الواحدة وهو ما يحدث تقريبا طوال الأحداث والحمدلله ما عرفته من ردود أفعال الناس طمأنني
.
أعرف انه كانت تربطك علاقة صداقة بعثمان أحمد عثمان.. هل استفدت من شخصيته عندما قدمت الدالي؟
ربما ولكن بشكل لا إرادي فالممثل يختزن بداخله نماذج من البشر يمكن أن تخرج في أحد أدواره، والراحل عثمان كان صديقي وكنت أحضر يوم الوفاء الذي كان ينظمه سنويا للعاملين في الشركة وكنت الوحيد الذي سمح له بالتصوير في عزبته حيث صورت فيلم قطة علي نار.. كما أن محمود ابن الراحل صديقي جدا، ولا أنسي للراحل أنه تدخل لإزالة سوء الفهم بيني وبين الرئيس السادات عندما أوقع البعض بيننا بسبب مسرحية بكالوريوس في حكم الشعوب.. وأخبرته بأننا نرحب بزيارة الرئيس ليتأكد أننا لا نسيء إليه.. ثم عاد عثمان ليخبرني بأن مجلس الشعب كله سيأتي لمشاهدة العرض، وبالفعل حضر د. يوسف أبوطالب وكل أعضاء المجلس وتعرفت لأول مرة بصديقي الحميم منصور حسن ولم يكن وقتها وزيرا.. وعموما كانت تربطني بعثمان علاقة حب كبيرة.
ارتديت حوالي عشرة وجوه في الدالي.. ألم يكن هذا مرهقا لك؟
هذا أكثر مسلسل هزني عصبيا.. وبقدر ما كان ممتعا كان مرهقا أنا أكلمك الآن وأنا أحلم بالسرير أريد أن أنام خمسة أيام متواصلة!!
أثناء كلامك الآن رأيت فمك معوجا في بعض اللحظات كما لو أنك مازلت أمام الكاميرا.. أمازلت متأثرا بالدور لهذه الدرجة؟
كان المخرج يوسف شرف الدين ينبهني دائما إلي أنني أنسي ولا أحرك يدي اليمني بعيدا عن الكاميرا وحتي بعد ان أنهيت التصوير مازلت فعلا أجد اعوجاجا في فمي.. رغما عني وأعود للوضع الطبيعي عندما انتبه لذلك لدرجة تخيفني أن يتحول التمثيل إلي حقيقة.
بعد يعقوبيان يأتي البيبي دول تأكيدا لتجربة الجمع بين كبار النجوم في فيلم واحد.. جيل مهم ولايزال أمامه
سنوات عطاء وإبداع لكنه لم يكن يجد مكانه في ظل سيطرة نوع معين من السينما.. ما تعليقك؟
الشكر لابد أن يكون للشركة المنتجة التي اتخذت ذلك منهجا لها بدأته بيعقوبيان والفيلم الجديد يضم نجوما أكثر من يعقوبيان، وهو تحية وفاء للأب الراحل عبدالحي أديب.. وهو عمل ضخم من جهة عدد النجوم وجرأة الموضوع رغم أن هناك جانبا تجاريا كبيرا وهو الكوميديا الناتجة عن سوء التفاهم.. إلا أنه يحمل وجهة نظر مهمة ورسالة للغرب تطالبه أن يفهمنا كما نفهمه نحن.
هل تعتقد أننا نفهم الغرب حقا؟
طبعا.. مؤكد نحن نفهم أن أمريكا ليس لها قلب كل ما يهمها هو مصلحتها.. وطوال السنوات الماضية لم نعرف المواطن الأمريكي والغربي بمن يكون العرب والمسلمون هم رأونا سفهاء يذهب أغنياؤنا لبلادهم بحثا عن المتع.. وجاء رد فعلنا علي هذا التصور عصبيا وهذا أراه يدفعهم لنفس الاتجاه.. وتفننوا في العثور علي أسانيد تؤكد تصوراتهم.. واستمرت الصورة أننا محدثو نعمة نسعي وراء غرائزنا.. ولابد أن يكون لدينا قناعة أن تغيير الصورة لا يتم بين يوم وليلة أو بمجرد بث قناة تخاطبهم بلغتهم.. فالمواطن الأمريكي والغربي لن يدير المؤشر إلا علي قناة ليس لها مثيل تحقق رغباته وبشروطه هو وقتها سوف يتابعها ويحرص عليها مثلا جوائز لم يسبق أن قدمتها قناة أخري.. وإلي أن أحقق كثافة مشاهدة وقتها يمكن أن أبث رسالتي وأنا أري أن الأكثر أهمية هو الجاليات العربية التي يجب أن تمولها الحكومات لأنها الأقرب للتواصل مع أهل البلد.. لتكون كل جالية عربية لوبي يقدم الفن والثقافة العربية ويشرح القرآن بفهمه الصحيح.. فلم يعد ممكنا أن تقوم السياسة بهذا الدور، وفي ليلة البيبي دول نوجه الدعوة لهم لنلتقي علي أرضية مشتركة.. هم يصوروننا كإرهابيين لمجرد أننا نطالب بحقوقنا.
فيلم ينطق بالعربية يحمل وجهة نظر لأشخاص لا يفهمونها.. أليس هذا استمرارا لمسلسل حوار الطرشان؟
هناك تصور لترجمة الفيلم وعرضه في أوروبا وأمريكا خاصة بعد نجاح تجربة عرض يعقوبيان تجاريا في أوروبا وتحقيقه إيرادات غير متوقعة.. والشركة الفرنسية تقوم حاليا بتوزيعه لعدد من دول أوروبا ولو استمرت التجربة لأصبح هناك فرصة التأثير في وجدان المواطن الغربي.
شكرا
